سورة الفرقان - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)}
{أساطير الاولين} ما سطَّره المتقدمون من نحو أحاديث رستم واسفنديار، جمع: أسطار أو أسطورة كأحدوثة {اكتتبها} كتبها لنفسه وأخذها، كما تقول: استكب الماء واصطبه: إذا سكبه وصبه لنفسه وأخذه. وقرئ: {اكتُتبها} على البناء للمفعول. والمعنى: اكتتبها كاتب له، لأنه كان أمّياً لا يكتب بيده، وذلك من تمام إعجازه، ثم حذفت اللام فأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه كاتب، كقوله: {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] ثم بنى الفعل للضمير الذي هو إياه فانقلب مرفوعاً مستتراً بعد أن كان بارزاً منصوباً، وبقي ضمير الأساطير على حاله، فصار {اكتتبها} كما ترى.
فإن قلت: كيف قيل: اكتتبها {فَهِىَ تملى عَلَيْهِ} وإنما يقال: أمليت عليه فهو يكتتبها؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أراد اكتتابها أو طلبه فهي تملى عليه. أو كتبت له وهو أمّي فهي تملى عليه: أي تلقى عليه من كتابه يتحفظها: لأنّ صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب.
وعن الحسن: أنه قول الله سبحانه يكذبهم وإنما يستقيم أن لو فتحت الهمزة للاستفهام الذي في معنى الإنكار. ووجهه أن يكون نحو قوله:
أَفْرَحُ أَنْ أُرْزَأَ الْكِرَامَ وَأَن *** أُورَثَ ذَوْداً شَصَائِصَاً نَبَلاَ
وحق الحسن أن يقف على الأولين، {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} أي دائماً، أو في الخفية قبل أن ينتشر الناس، وحين يأوون إلى مساكنهم.


{قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)}
أي يعلم كل سرّ خفيّ في السموات والأرض، ومن جملته ما تسرونه أنتم من الكيد لرسوله صلى الله عليه وسلم مع علمكم أنّ ما تقولونه باطل وزور، وكذلك باطن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبراءته مما تبهتونه به، وهو يجازيكم ويجازيه على ما علم منكم وعلم منه.
فإن قلت: كيف طابق قوله: {إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} هذا المعنى؟ قلت: لما كان ما تقدّمه في معنى الوعيد عقبه بما يدل على القدرة عليه، لأنه لا يوصف بالمغفرة والرحمة إلاّ القادر على العقوبة، أو هو تنبيه على أنهم استوجبوا بمكابرتهم هذه أن يصب عليهم العذاب صبّاً، ولكن صرف ذلك عنهم إنه غفور رحيم: يمهل ولا يعاجل.


{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8)}
وقعت اللام في المصحف مفصولة عن هذا خارجة عن أوضاع الخط العربي، وخط المصحف سنة لا تغير. وفي هذا استهانة وتصغير لشأنه وتسميته بالرسول سخرية منهم وطنز، كأنهم قالوا: ما لهذا الزاعم أنه رسول. ونحوه قول فرعون {إِنَّ رَسُولَكُمُ الذى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27] أي: إن صحّ أنه رسول الله فما باله حاله مثل حالنا {يَأْكُلُ الطعام} كما نأكل؛ ويتردد في الأسواق لطلب المعاش كما نتردد، يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكاً مستغنياً عن الأكل والتعيش. ثم نزلوا عن اقتراحهم أن يكون ملكاً إلى اقتراح أن يكون إنساناً معه ملك، حتى يتساندا في الإنذار والتخويف، ثم نزلوا أيضاً فقالوا: وإن لم يكن مرفوداً بملك فليكن مرفوداً بكنز يلقى إليه من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش. ثم نزلوا فاقتنعوا بأن يكون رجلاً له بستان يأكل منه ويرتزق كما الدهاقين والمياسير، أو يأكلون هم من ذلك البستان فينتفعون به في دنياهم ومعاشهم. وأراد بالظالمين: إياهم بأعيانهم: وضع الظاهر موضع المضمر ليسجل عليهم بالظلم فيما قالوا: وقرئ: {فيكون} بالرفع، أو يكون له جنة، بالياء، ونأكل، بالنون.
فإن قلت: ما وجها الرفع والنصب في فيكون؟ قلت: النصب لأنه جواب (لولا) بمعنى (هلا) وحكمه حكم الاستفهام. والرفع على أنه معطوف على أنزل، ومحله الرفع، ألا تراك تقول: لولا ينزل بالرفع، وقد عطف عليه: يلقى، وتكون مرفوعين، ولا يجوز النصب فيهما لأنهما في حكم الواقع بعد لولا، ولا يكون إلاّ مرفوعاً. والقائلون هم كفار قريش النضر بن الحرث، وعبد الله بن أبي أمية، ونوفل بن خويلد ومن ضامهم {مَّسْحُورًا} سحر فغلب على عقله. أو ذا سحر، وهو الرئة: عنوا أنه بشر لا ملك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8